زهراء
قبيسي، امرأة جنوبية وقفت وحدها أمام دبابة، لكنها حملت في وقفتها أمّة بأكملها.
في 27 كانون الثاني /بناير 2025 و بعد عودة الجنوبييين الى ديارهم بعد ستين يوما من وقف الهجوم الاسرائيلي على لبنان ، لم تترك زهراء الساحة، بل تقدّمت صوب الاحتلال، وواجهت بعينين
ثابتتين وجه العدو.
أُصيبت
برصاص الغدر، لكنها لم تتراجع.
زهراء
ليست فقط مناضلة في وجه الاحتلال، بل صوتٌ عميق ينادي بحق المرأة في المقاومة،
بالدفاع، بالعفّة، وبالإيمان.
تؤمن
أن المرأة لا تحتاج لسلاح لتكون مقاتلة، بل يكفي أن تحمل قضيّتها، وتصون كرامتها،
وتواجه بثبات.
صورة لزهراء قبيسي - الوقوف امام الدبابة
فلم
تكن زهراء امرأةً عادية تمرُّ في المشهد وتختفي.
كانت
نقطة تحوّل، لحظة مشدودة بالحقيقة، ومشهدًا لا يُنسى حين وقفت، بجسدها النحيل، في
وجه دبابة لا تعرف الرحمة.
لم
تصرخ، لم تتراجع، بل نظرت في عيون الجنود، كأنها تقول: "لن تمرّوا".
في
تلك الوقفة، لم تكن فقط تدافع عن أرض، بل كانت تحمل فكرة. فكرة المرأة التي يُساء
فهمها في كثير من الخطابات المعاصرة.
تحدّثت
زهراء عن النسوية الغربية، وقالت بوضوح:
"هناك،
تُقاس قوّة المرأة بمدى تخلّيها عن أنوثتها... عن حيائها... عن شرفها.
تُعتبر
المرأة قوية إذا طلّقت، إذا رفعت صوتها بوجه الرجل، إذا تمرّدت على كل ما هو ثابت.
لكننا
لسنا هكذا."
سكتت
قليلًا، ثم تابعت بصوتٍ هادئ لكنه واثق:
"في
مجتمعاتنا، المرأة القوية لا تتنكّر لحياءها، ولا تتنازل عن كرامتها لتُثبت شيئًا
لأحد.
قوّتنا
في عفّتنا، في ثباتنا، في قدرتنا على حمل القيم وسط هذا العالم المكسور.
نحن
نؤمن أنّ المرأة يمكن أن تكون مثقفة، فاعلة، بارزة... لكنها لا تحتاج إلى خلع
دينها أو أخلاقها لتُثبت حضورها."
زهراء
لم تكن فقط في مواجهة العدوّ على الجبهة، بل كانت تقف أيضًا في مواجهة الصور
النمطية، تُعيد تعريف المقاومة وتُعيد توزيع البطولة على تفاصيل الحياة اليومية.
قالت
مرة: "المواقف لا تكون فقط في التصدّي للدبابة، بل حين تُعدّ المرأة طعامًا
للمجاهدين، حين تساعد في تنظيف المكان، أو تُسهم في تنظيم الإغاثة... كل هذا
مقاومة."
ارشيف: صورة الحج على الطريق يوم النزوح
اما عن ذاك "الحج" فلم تستطع ان تمحيه زهراء من ذاكرتها ، حينها روت كيف كان أحد الرجال يحمل كرتونة بسيطة كُتب عليها: "بدكن ترجعوا مرفوعين الرأس". قد تبدو الجملة عادية، وقد تمرّ على البعض كأنها لا تعني شيئًا… لكنّها، في لحظتها، كانت تشبه رسالة حبّ معلّقة في الهواء،
تشبه وعدًا صغيرًا يُحارب الحرب بكلمة، تشبه يدًا خفيّة تمتدّ إلى القلوب المُنهكة، وتقول لها: "اصمدي… ما زال فيك نبض".
بساطتها كانت سرّ قوتها. في خضمّ حربٍ اجتمعت فيها النار والتراب والدخان، برزت هذه العبارة كدرعٍ نفسيّ، كأنها وقفت في وجه الحرب النفسية، وحدها، وقالت لها: لن تنالي منهم... ولشدّة تأثيرها، بقي كثيرون طيلة فترة العدوان ينتظرون لحظة العودة لا ليستعيدوا ما فُقد، بل ليردّوا على تلك الجملة، ليقولوا للحج: قولوا للحج نحن رجعنا منتصرين و مرفوعي الراس
ومن بين كلّ هذا، كانت الحقيقة تلمع بهدوء: أنّ البطولة لا تحتاج إلى كثير من العُدّة، فأحيانًا، يكفي أن تمتلك إيمانك، أن تؤمن بقضيتك... أن تُقدّم شيئًا صغيرًا في حجمه، عظيمًا في أثره ،كي تكون، دون أن تدري، أحد الأبطال الحقيقيين.
مقابلة مع زهراء قبيسي
المعركة،
كما تراها، ليست دائمًا بالسلاح. بل أحيانًا بكلمة، أحيانًا بدمعة تُكتم، أو بيدٍ تمتدّ
لتساعد.
زهراء
تُدرك أنّ المقاومة ليست فقط في الكلاشينكوف، بل في صمود امرأة تربي أبناءها على
الوعي، وعلى الإيمان، وعلى حفظ الذاكرة.
ولم
تكن تستمدّ قوّتها من العدم. كانت تقتدي بمن رسمن طريق العزّ بأقدامهنّ
الجريحة.
كانت
تنظر إلى سيدة نساء العالمين و السيدة زينب (عليها السلام) كأمّ ومدرسة، وكقدوة لا تنكسر.
كانت
ترى الحضور، والكرامة، والبيان.
نحمل
الوجع ولا نتراجع، ونُكمل المسير.
تلك المرأة المقاومة تؤمن أن كل امرأة ، إذا وعت هذا النهج، لن تنكسر.
وأنّ
استلهام القوّة من أهل البيت (عليهم السلام) ليس مجرّد عاطفة، بل سلوك، وثقافة،
ونهج في المواجهة.
وحين
تُسأل عن المرأة المسلمة، تبتسم وتقول بثقة:
"نحن
لسنا مضطهدات. نحن نحبّ الحياة... إذا ما استطعنا إليها سبيلا.
لكننا
نحبّها بعين الحياء، وبقلبٍ مغموس بالإيمان.
نعيش
بكرامة، نختار حبّنا، ونمشي بين الحياة والموت ونحن نحمل نور العقيدة."
زھراء، المرأة التي وقفت أمام الدبابة، لم تكن استثناءً...
بل كانت مرآة لنساء ھذا الجنوب، حیث كل بیت فیھ أمّ، أو زوجة، أو أخت، تكتب قصتھا على إیقاع الصبر، والحب، والإیمان.