في عالمٍ يزداد فيه الصخب حول
"حقوق المرأة" وتُرمى فيه الاتهامات يَمنةً ويَسرة،
يطلّ السيد علي، بعقله الهادئ وصوته
المتّزن، ليعيد فتح أبواب النقاش من منطلقٍ مختلف: من منطلق الإسلام، لا من موقع
الدفاع، بل من مقام البيان.
في
زمنٍ تحوّل فيه مصطلح "النسوية" إلى شعارٍ فضفاض، يتناول السيد علي هذا
المفهوم بعمقٍ فكري وقراءة واعية،
مُميّزًا بين الحقوق المشروعة،
والدعوات التي قد تحمل في طيّاتها تهديمًا لبنية الإنسان قبل المجتمع. لا يقدّم السيد علي خطابًا شعبيًا، بل
رؤيةً تنطلق من النصّ، ومن سيرة النبي (ص) وأهل بيته (ع)،
ليُظهر كيف أن الإسلام لم يُقصِ
المرأة، بل أقامها مقام العقل، والإرادة، والكرامة.
في
هذه الصفحة، لا يجيب السيد علي عن "هجوم"، بل يكشف حقيقة: أن المرأة في الإسلام ليست تابعًا، ولا
ضحية، بل شريكة في المشروع الإلهي، وأن العدالة، لا المساواة الشكلية، هي ميزان
القيم
تصوير زينب فواز - من مقابلة السيد
حين يتحدّث السيّد علي عن المرأة، لا
يبدأ من اللحظة المعاصرة، بل يعود إلى الجذور. إلى
ما قبل الإسلام، حيث كانت المرأة توأد حيّة، ويُنظر إليها كعارٍ يجب التخلّص منه. لكن مع مجيء الإسلام، انقلب هذا
الميزان الظالم، فأتى النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ليُعلن:
"من كانت له أنثى فأحسن إليها، كانت له
سترًا من النار"، وليحرّم الوأد، ويُكرّم الأمّ، والزوجة، والابنة.
يُذكّر السيد علي بأنّ أول شهيدة في الإسلام كانت سمية بنت خياط،
التي واجهت العذاب حتى الموت دفاعًا عن عقيدتها، ويؤكّد أن قيام الإسلام ذاته لم يكن بجهدٍ رجاليّ منفرد، بل كان
قائمًا على ركنين متلازمين: مال خديجة وسيف
عليّ ابن ابي طالب (عليه السلام). فالسيدة
خديجة لم تكن فقط الزوجة الأوفى، بل كانت الراعية الأولى للدعوة، والتي احتضنت
الإسلام في لحظاته الأولى حين خذله الناس، فأنفقت مالها، وساندت النبي، ووقفت على
الجبهة الأولى للإيمان.
ويمضي في الإضاءة على أدوار النساء في التاريخ الإسلامي:
من السيدة الزهراء (عليها السلام)، التي واجهت
الظلم بعد رحيل النبي، وأعلنت موقفها من منبر المسجد، إلى السيدة زينب (عليها السلام) التي لم تُكمل
الثورة بعد كربلاء فقط، بل نقلت الوعي، وواجهت الطغيان، وخطبت في قلب مجلس يزيد. ويتوقّف
أيضًا عند أم البنين (عليها السلام)، التي قدّمت أبناءها الأربعة في كربلاء دون أن
تتراجع، وكانت تُعرَف بلقب "أم الشهداء"، لكنها كانت تُسأل دومًا عن حال
الحسين قبل أن تسأل عن أبنائها. هذه النماذج ليست قصصًا روحية فقط، بل دلائل
تاريخية على أن المرأة كانت في صلب المشروع الإسلامي، لا في هوامشه، وأنّ الإسلام لم يُقصِها عن الميدان، بل أكّد على
دورها، ما دامت تتحرّك ضمن الرؤية الإلهية، وبما يرتضيه الله تعالى.
مقابلة مع السيد علي
فالمرأة الزينبية برزت بشكل
واضح في الحرب وبعدها، ليس فقط في الصبر والعطاء، بل أيضًا في الإعلام والميدان. فقد صار واضحًا للجميع أنّ المرأة
المسلمة تحمل دورًا جوهريًا في المقاومة، بصوتها، وصورتها، ومواقفها. سواء كانت تُشيّع شهيدًا، أو تُدير
مركزًا، أو تُواجه بالكلمة، فإنّها تُكمل نهج السيدة زينب (عليها السلام)، وتُجسّد
حضور المرأة المؤمنة في معركة الكرامة.
يؤكّد السيّد علي أن الدور الأساسي
للمرأة الزينبية هو بناء المجتمع من جذوره، وأنّ أوضح تجلٍّ لهذا الدور يتجسّد في أمهات الشهداء، اللواتي لا
يُقدّمن فقط أبناءهن، بل يُربّين أبطالًا، ويغرسن فيهم منذ الصغر حبّ العقيدة،
والوعي، وروح المقاومة.
يقول:
"كلّ شهيد في هذه الحرب أو في ما سبقها، لم يكن مجرّد شاب قرّر أن
يقاتل، بل هو ابنُ نهج، ابنُ تربية، ابنُ أمّ زينبية ربّته على طريق كربلاء."
ويضيف السيد علي جملة حاسمة:"كلمةُ
حق، مهما فعل الرجل، فلن يملك الدور الجوهري الذي تملكه الأم في زرع الروح
الثورية، والأخلاق الحسنى، والإيمان العميق. فهي
التي تصنع جيلًا لا يهتزّ، وتغرس فيه كربلاء قبل أن يعرف الأبجديّة."
مقابلة مع السيد علي
يشرح السيّد علي أنّ في الإسلام،
الخَلق لم يكن عبثًا، بل لحكمة وغاية: أن
نعبد الله، ونسعى إلى جنّته. فكلّ
ما نفعله في حياتنا – رجالًا ونساءً – لا قيمة له إن لم يكن على طريق رضا الله،
وإن لم يؤدِّ بنا إلى الخاتمة التي خُلِقنا لها: الجنّة. لذلك،
حين نناقش اليوم قضايا مثل النسوية ودور المرأة، لا يمكن فصلها عن هذا الميزان.
لفت الى ان كلّ
حديث عن دور المرأة، أو حريّتها، أو مكانتها، يجب أن يُوزَن برضى الله. فما وافقه، نأخذه، وما خالفه، لا يقبله
مسلمٌ مؤمن، مهما كانت شعاراته جذّابة." بهذا
الفهم، لا يُقاس تحرّر المرأة بالخروج عن الدين، بل بالثبات عليه. ولا تُقاس قوّتها بالتشبه بالرجل، بل
بإتقان دورها كما رسمه الله لها، بحكمة، وعدل، وكمال.
مقابلة مع السيد علي
يؤكّد السيّد أن الإسلام لا يُعادي
تطلّعات المرأة، ولا يُقصيها عن الساحة. بل على العكس، إذا كان هناك معنى لـ"النسوية" في مجتمعنا، فلتكن نسوية
العزّة، والاقتدار، والستر، والعفّة. هكذا
مفاهيم، لا يُرفضها الإسلام، بل يحتضنها ويرعاها. فالمصطلح كما يُروَّج له في الغرب –
كما يوضح – يقوم على نزع الحياء، والترويج للتعرّي، وتحويل المرأة إلى سلعة بصريّة. وهذا النموذج، كما يقول، مرفوض جملةً
وتفصيلًا.
ويتابع السيّد علي بنقده للطرح الغربي،
قائلاً: أنتم تنادون بحرية المرأة في العمل،
ونحن لا نعارض ذلك.
أنا
رجل دين، وأتمنّى أن يكون في محيطي طبيبة نسائية، لأنني أحرص على عِرضي. فأين القمع هنا؟" المشكلة
ليست في العمل، بل في العمل الذي ينزع عن المرأة كرامتها، أو يضعها في مواقف تسيء
إلى عفّتها.
فالمرأة في الإسلام يمكن أن تكون
عاملة، وطبيبة، ومعلّمة، وقائدة، بشرط أن تبقى وفية لقيمها، متمسّكة بسترها، ثابتة
على مبدئها.
تصوير زينب فواز - رسالة السيد علي
ينتقد السيّد علي مفهوم "حرية
الإجهاض" كما تطرحه النسوية الغربية، ليس فقط من منطلقٍ ديني، بل أيضًا من زاوية إنسانية وأخلاقية. يقول: أيّ
منطقٍ يقبل أن يُمنح الإنسان حريّة قتل طفل لم يولد بعد؟ الإجهاض بهذا الشكل، هو جريمة قتل، لا حقّ من حقوق المرأة." فالحياة، في نظر الإسلام، تبدأ من لحظة
التكوين، ولا يملك أحد – رجلًا كان أو امرأة –
الحقّ في إزهاقها خارج إطار الضرورة الشرعية.
مقابلة مع السيد علي
يختم السيّد علي
حديثه بالنموذج الأسمى: السيّدة زينب (عليها السلام)، التي عُرفت بشدّة محافظتها على الستر والعفّة، حتى قيل إنّها كانت لا تخرج لزيارة قبر أبيها إلّا في الظلمة، كي لا
يراها أحد.
ومع ذلك، حين احتاجها الموقف، لم تكتفِ
بالدفاع عن الولاية، بل قامت مقام الولاية نفسها، فخطبت، وواجهت، وثبّتت الرسالة في أشدّ اللحظات ظلمة.
السيدة زينب (ع) لم تنقلب على
حجابها لتكون قويّة، بل كانت قويّة لأنّها ظلّت وفيّة لعفّتها، وثابتة على مبدئها.
تصوير زينب فواز - غرفة السيد علي